06/03/2023 - 15:57

الصبايا ما يزلن هناك يملأن الجرار | شعر

الصبايا ما يزلن هناك يملأن الجرار | شعر

Negative Space

 

 

أثر خطانا على وجه الماء

ما دُمنا سنموت

كلٌّ بطريقته

فلماذا لا نموت ونحن طيّبون كجدّاتنا

كالّذين، مِنْ زادِهم، يطعمون اليمام؟

 

ما دُمنا سنموت يومًا

لماذا لا نموت ونحن سعيدون

نشرب نَخْب الّذين يحبّوننا

ونَخْب أذرعٍ ملفوفةٍ حولنا برفق

تردّ عنّا الأذى

وتدسّ لنا التمائم في الجيوب

 

ما دُمنا سنموت يومًا

لماذا لا نموت ونحن أنيقون

نغتسل بالعطر كلّ صباح

ونلتفّ بشال الحرير

وندقّ الأرض بحذاءٍ إيطاليٍّ:

أنّنا قادمون؟

 

ما دُمنا سنموت غدًا

أو بعد غدٍ

فلماذا لا نموت معترفين لأمّهاتنا

بفضلهنّ في خياطة النهار بالليل

ووضع مقامٍ يحضّرن على وقعه الكحل للعيون الجميلة؟

لماذا لا نعترف للآباء

بأنّهم قدّموا لنا الحياة

والخيبات على طبقٍ واحدٍ؟

لماذا لا نعترف للسرو

بأنّه علّمنا العلوّ؟

 

ما دُمنا سنموت غدًا

لماذا لا نموت ونحن عادلون

فلا تنكسر على أيدينا لغةٌ مِنَ اللغات

ولا يتيه قمرٌ عن غايته

ولا يؤول نبيٌّ إلى الغيب؟

 

ما دُمنا سنموت بعد قليلٍ

فلماذا لا نترك في الموقد جمرةً واحدةً

للغائبين

وقصيدةً غير موقّعةٍ

يرتدونها في الغربة؟

 

ما دُمنا سنموت كما ماتوا

لماذا لا نترك

للباقين مفاتيح الوقت

وأثر خطانا على وجه الماء؟

 

ما دُمنا سنمضي كالوقت

فلماذا لا نترك في الفضاء

متّسعًا للحنين

ودهشة الأراجيح

والقبل

 

ما دُمنا سنموت كعادة الناس أن يموتوا

فلماذا لا نترك

قلب حبٍّ واحدٍ

على جذع شجرةٍ في الجوار

يتسلّى المارّة في تأويله؟

 

ما دُمنا سنموت كوردةٍ في مزهريّةٍ

كعصافيرَ مِنَ البرد

كعاشقين من شدّة الوجد

كمعدمين على أرصفة المدن

كحوتٍ قضى بين جَزْرٍ ومدٍّ

فلماذا يصرّ بعضنا أن تظلّ ذكراهم

جثّةً هامدةً ينخرها الدود على مزبلة؟

 

ما دُمنا ميّتين كما مات غيرنا

لا محالَ

لماذا نندهش مِنَ الموت

كلّما مدّ يده للمصافحة؟

 

هو الموت قادمٌ نَحْوَنا

في موعده

لا يحمل للميّتين الألم

فلنعدَّ حقيبةً خفيفةً

لا تثير فضول الحرس في الممرّات

ولنبحثْ في القواميس عن معاني العدم

 

 

أو لَمْ تعترفوا

اعترفتم أو لم تعترفوا،

فالقرية الّتي أطلعَها الحريق

من خبايا الحرش تبوح بكلّ شيءٍ

والأرض المدرّجة

مدرّجةٌ،

كما تركها أصحابها

والصبايا ما يزلن هناك يملأن الجرار

يضحكن لصورهنّ في الماء

ويصعدن إلى السماء

 

اعترفتم أو لَمْ تعتِرفُوا

فالبلاد كلّها مزروعةٌ بالقبور

في كلّ جهةٍ قبرٌ

ولكلّ قبرٍ اسمٌ

وألفٌ يتذكّرون سكّانه

النائمين

ريثما يحين الوقت

ليعودوا إلى مقابرَ أكثر رأفةً بالميّتين

اعترفتم أو لَمْ تعترفوا

فالغائبون هناك،

هنا

ينتظرون على صُرَرٍ

في كلّ صُرّةٍ روايةٌ،

روايتان

وخرائط البيوت

والحقول

والممرّات إلى شجرٍ في الأعالي

ومسالك الرعاة

وناياتهم

في كلّ صرّةٍ ذاكرةٌ مفصّلةٌ

تقطع طرق الّذين زوّروا التاريخ

 

اعترفتم أو لم تعترفوا

فإنّ قضاتكم في السفح يدوّنون أحكامهم

أسرع مِنْ يد الجنود على الزناد

يشطبون مِنْ أعمارنا سنواتٍ

مِنْ أحلامنا

ومِنْ مماتنا سنواتٍ

قضاتكم، في آخر النهار

خاتمٌ في إصبع الجنرال

 


 

مرزوق الحلبي

 

 

شاعر وناقد من فلسطين، يكتب في عدد من المنابر الفلسطينيّة والعربيّة. يعمل وينشط في الجانب الحقوقيّ والمجتمع المدنيّ. له مجموعة شعريّة بعنوان «في مديح الوقت».

 

 

التعليقات